ما هو حال لبنان الذي غنت له فيروز وتغزل به الشعراء؟
وكالة الفرات للأنباء – حلمي عبد الرحمن
-لبنان سويسرا الشرق وحقبة الازدهار
كان لبنان يُعرف بكونه “سويسرا الشرق”؛ بلداً اشتهر بجمال طبيعته وسياحته المتميزة، حيث عاش في الستينيات والسبعينيات ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً جعله وجهةً للأعمال والسياحة. وفي التسعينيات، شهد لبنان طفرة جديدة في النمو، بفضل جهود الراحل رفيق الحريري الذي عمل على إعادة بناء البنية التحتية وتطوير الاقتصاد بعد انتهاء الحرب الأهلية، مستهدفاً إعادة بيروت إلى خارطة العواصم العالمية المزدهرة. كانت هذه المرحلة تمثل فترة ازدهار جعلت اللبنانيين يتطلعون نحو مستقبل مشرق، رغم تحديات المنطقة.
-حزب الله والتغلغل في السلطة
لكن منذ أوائل الألفية الجديدة، بدأت المعادلة السياسية تتغير، إذ تعاظم نفوذ حزب الله داخل مؤسسات الدولة، وامتد تأثيره على القرارات السياسية والأمنية. ومع دخوله في المشهد السياسي بقوة، أصبحت السلطة متأثرة بأجندات خارجية، حيث تزايدت التوترات والانقسامات بين الأطياف السياسية. سيطرة الحزب على جوانب عديدة من السلطة جعلت المؤسسات اللبنانية تعاني من ضغوط، وفرضت تحديات على النظام السياسي، أدت إلى تراجع الثقة بين المواطنين والدولة.
-فشل سياسي ذريع
انعكس تدخل القوى السياسية والأحزاب على الحكومة، حيث شهد لبنان فشلاً سياسياً ذريعاً بسبب غياب القرارات الرشيدة وسوء الإدارة. الحكومات المتعاقبة أخفقت في حل الأزمات الأساسية، من توفير الكهرباء والمياه إلى إدارة النفايات، مما عمق مشاكل البنية التحتية وأضعف الاقتصاد. تراكمت الأزمات وأصبحت القرارات تصدر وفق مصالح ضيقة، ما أدى إلى استياء شعبي وتزايد الفجوة بين السياسيين والمواطنين.
-حال لبنان الاقتصادي المحزن وهجرة النخب
لم تقف الأزمات عند الشأن السياسي، بل امتدت لتضرب اقتصاد لبنان في الصميم. انهارت العملة اللبنانية بشكل غير مسبوق، وارتفعت معدلات البطالة والفقر، مما دفع النخب والشباب اللبناني إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل ومستقبل أفضل. البلاد تعيش أزمة مالية خانقة، والمصارف تفرض قيوداً على سحب الأموال، ما جعل الحياة اليومية للناس مليئة بالصعوبات. أصبح لبنان بلداً ينزف من نخبه، ويعيش حالة من التراجع الاقتصادي المؤلم.
-الحرب الإسرائيلية والقصف والنزوح
ولم تقتصر مشاكل لبنان على الأزمات الداخلية، فقد زادت الحرب الإسرائيلية والنزاعات العسكرية الحدودية من تعقيد الوضع. فالقصف المتكرر والنزوح الذي فرضه الصراع مع إسرائيل، والتوترات الحدودية، زادت من معاناة السكان، وأثرت على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد. نزوح الأهالي بسبب الهجمات الإسرائيلية زاد الطين بلة، وزاد الضغط على الدولة التي لم تستطع استيعاب كل تلك الأزمات المتوالية.
-لبنان بين الحلم والواقع
لبنان اليوم يقف على مفترق طرق بين ماضيه المشرق وحاضره المثقل بالأزمات. بلد غنت له فيروز وتغزل به الشعراء، أصبح يعيش واقعاً مريراً، وأزمات لا حصر لها. يحتاج لبنان إلى استعادة دوره ومكانته، وإلى إصلاحات جذرية تعيد له الاستقرار السياسي والاقتصادي. فلا يزال الأمل قائماً أن يتجاوز لبنان هذه المحنة ويعود كما كان، سويسرا الشرق ونبض الثقافة والجمال في المنطقة.